الخميس، 3 مارس 2016

الغيرة المباركة والغيرة الملعونة


المشاعر اﻷنسانية عديدة ومتنوعة وهى تتفاوت فى حدتها من شخص إلى آخر واﻷنسان كائن معقد فينتابه فى اليوم الواحد مزيج من المشاعر المختلطة بين الحب ، ،الفرح ،الحزن ، الكراهيه الغضب ،والغيرة وبإراده اﻷنسان وعقله يخضع تلك المشاعر تحت سلطته وسلطة الله حتى يسوسها ويجعلها مباركة مثمرة فى حياتة وحياة الأخرين وفى الكتاب المقدس مشاهد متنوعة يتضح منها كيف يتعامل الله  مع مشاعر أبنائة ويباركها أذا أراد اﻷنسان ذلك وكيف يتجه بمشاعره بعيدآ عن الله فيوقع نفسة ومن حوله فى مشكلات عديدة كما حدث مع قايين وهابيل وهى أولى الحوادث التى وقعت منذ بدء الخليقة بسبب الغيرة الحادة والطائشة التى أجتاحت نفس قايين والذى أنتهت به فى النهاية إلى مأساة.
فكان قايين يعمل بالفلاحة وكان هابيل يعمل راعيا لﻷغنام وعند وقت التقدمة أحضر قايين بعض ثمار الأرض قربانا لله وأحضر هابيل أيضا قربانا من أبكار غنمه وأسمنها تقدمه ويقول الكتاب نظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر فأغتاظ قايين جدا وسقط وجه أى شعر بالأحباط والفشل وفى الحقيقة لم  يكن قبول الله لذبيحة هابيل ﻷنها أغنم وأسمن ولكنها من قلب صالح محب شغوف بالرب يريد أرضائه على عكس قايين الذى قدمها بأستهتار وكأنه يقوم بواجب عليه فعله لذلك وجه الله لقايين بعتاب أب محب تلك الكلمات  ..(ما الذى اغضبك وما الذى احبطك؟أن كنت فعلت الصواب أفلا أقبلك؟ وأن لم تفعل فان الخطية متربصة بك على الباب وهى تريد أن تسود عليك لكن ينبغى أن تسود عليها(( تك 6:4)) ورغم عتاب الله  وتحذيره  لقايين أصر على أن تسود عليه مشاعره الحمقاء التى دفعته للقتل وبدأ التخطيط فى التنفيذ بالفعل فدعا هابيل الى الحقل وبينما هما هناك هجم قايين على اخيه وقتله
قتل قايين اخية بسبب الغيرة ولم تكن مشاعر الغيرة فى حد ذاتها خطية امام الله بل تلك المشاعر كانت من الممكن أن تكون دافع لنجاح قايين وسعيه ﻷرضاء الله بتقدمة أخر من قلب صالح ولكنه لم يفعل ذلك بل دفعته  إلى البغضه والحقد الذى توصل به فى النهاية إلى قتل أخية وهروبة مشردا خائفا ضائعا من وجه الله فاصبحت مشاعر الغيرة لديه لعنه بدلا من أن تكون سبب بركة لخلاصه وأجترت خلفها مشاعر أخرى أكثر سوءا فأصبح معذبا هائما على الارض
وهناك غيرة أخرى مباركة فى الكتاب دفعت بصاحبها إلى الصلاة والتحدث مع الله وﻷن الله قريب من قلب أبنائة ويفهم ويتعامل جيدا مع مشاعرهم أنصت  لها بل وأعطها وعد بالبركة والثمر فى حياتها كما فعل مع حنه فكانت هذة المرأة الرائعة زوجة لرجل يحبها حبا كبيرا يسمى ألقانة ولكن كان ﻷلقانة زوجه أخرى هى فنة وكان لديه منها أبناء، أما حنة فكانت عاقر لاتنجب وأعتادت فنة أن تغيظ حنة بقصد مضايقتها ويذكر الكتاب  أن فنة تعمدت أغاظت حنة سنة بعد سنة حتى أمتنعت حنة عن الطعام ورغم حجم الألم والغيرة والضغط النفسى التى كانت تتسبب فيه فنة الى حنة ورغم جرح مشاعرها لها سنة تلو الأخرى لم تتجه حنة بمشاعرها المتألمة لجرح فنة أو أذيتها كما فعل قايين ولكنها ذهبت بجراحها ويائسها  فى حضرة الله وتحدثت إليه قائلا انظر مدى حزنى وإلتفت إلى لاتتجاهلنى انا خادمتك فأن رزقتنى بإبن فإنى سأعيده ليكون فى خدمتك كل أيام حياته (1صم 11:1)
وبعد حديثها مع الله وسكب نفسها امامه بجميع عذابها وإلمها مضت فى طريقها ولم يكن وجهها بعد مغيرا حتى سمع الله لها واعطها صموئيل النبى وهكذا اخضعت حنة مشاعرها تحت سلطتها وسلطة الله حتى تحولت فى حياتها الى ثمر وفرح.
فى النهاية كل أنسان راودتها مشاعر الغيرة بشكلا او اخر وهدف شعور اﻷنسان بالغيرة هو الكمال من جميع النواحى فى أمور الحياة وتحقيق أعلى درجات الطموح واﻷمل التى تتطلع النفس إليها وأحيانا يكون هدفة اﻷفضليه على جميع أقرانه ومن حوله فلايريد أن يراوده الشعور بالنقص فى شئ ما بجانبهم ولكن ليس فى مقدور الانسان أن يتمم جميع أمور حياته وأن يصبح راضيا عن جميع شئونها بدرجة مائة فى المائة لذلك نسعى جميعا ونتصارع ﻷن نكون فى مراتب أفضل ولكن لهذا الصراع النفسى والغيرة حدود وقواعد لتصبح مباركة ولا تنقلب الى حسد وحقد وكراهية فيقول الرسول بولس فى الرسالة إلى أهل غلاطية حسنة هى الغيرة فى الحسنى كل حين.

 (18:4).

سوزان نادى
*

0 التعليقات:

إرسال تعليق