الخميس، 27 أكتوبر 2016

نوارة الجميلة بين الفقر والثراء


الفقر أسوء ما يتعرض له الأنسان فى الحياة خاصة وأن كان هذا الفقر نتيجة ظلم فى تقسيم موارد الحياة الطبيعية وخلل ما فى أدارة مؤسسات الدولة فينتج عن ذلك فروق شاسعة بين طبقات المجتمع فيظهر مجتمع فقير كادح لا ينعم بأى شئ حتى ولو أبسط الحقوق ومجتمع أخر فاحش الثراء يعيش فى رفاهية مستفزة وأن تصبح كائن مهمش بلا كرامة وبلا أرادة حرة لا حول لك ولاقوة سيجعلك هذا فى النهاية تثور وتنهض مطالبا بالعدل والحرية والكرامة الآنسانية وهذه الكلمات ليست شعرات ولكنها كالهواء للطبيعة الانسانية التى خلقها الله لاتقبل الذل والمهانة بل فى النهاية تتطالب بحقوقها غير مبالية بعواقب تلك المطالب حتى وأن كان ثمن تخليص هذه الحقوق من بين أنياب الديكتاتورية هو الدم والموت لذلك قامت ثورات الربيع العربى وفى مصر قامت ثورة عظيمة نتيجة ظروف مريرة وشعب كادح يريد أن يحيا حياة كريمة وهذه المظاهر والظروف والنتائج كلها سوف يسجلها التاريخ بين صفحاته لتتطلع الآجيال القادمة على الحقيقة وتكتشف بنفسها ماحدث فى مصر عام 2011 ولكن للسينما مذاق خاص فهى المؤرخ الحى الذى يجعل من الآحداث صورة حقيقية حية تنبض على الشاشة أبدا ودوما لذلك قررت المخرجة هالة خليل أن تجتزء لنا من الواقع المعاش حكاية فتاة مصرية جدعة وبسيطة تعيش فى أحدى اﻷماكن المدقعة بالفقر مع جدتها تعاصر ظروف أيام الثورة ولياليها
تعمل كخادمة فى أحدى بيوت الأثرياء وتحديدا فى بيت وزير سابق وهى مكتوب كتابها على رجلا نوبى بسيط يعيش فى الحى التى تسكن فيه ولا يستطيعون أتمام الزواج بسبب ظروفهم المادية الصعبة فلا عمل لرجلها فقد وقف حال المحل الذى كان يعد مصدر رزق ولا يوجد شقه  فمتطلبتهم كثيرة ويعيشون فى دوامة ليس لها مخرج أو حل وفى ظل هذه الظروف تحدث الثورة التى طالما دبت فى نوارة الأمل بأن ينصلح حالهم وتستطيع الزواج من حبيبها الذى يرفض دوما عملها كخادمة.
قصة مكررة وموجوده دائما فى حياتنا فقالت المخرجة هالة خليل فى أحد حوارتها أن نوارة نموذج لرضا الفقراء وهى موجوده فى كل مكان حولنا وقد وردت لها فكرة العمل عندما شاهدت أحدى البائعات المطحونات فى السوق والتى أستفزتها أبتسامتها وحالة الرضى التى تنعم بها رغم ضيق الحال وصعوبة العيش فكانت تلك البائعة هى المادة الأولى لفكرة الفيلم التى عزمت على تجسيده من خلال شخصيات حية وبالفعل بدأت فى كتابة السيناريو فى عام 2012 وأنتهت منه قبل ثورة 30 يونيو لتكون بذلك قد أستغرقت عام فى كتابته ولكنه خضع فيما بعد لبعض التعديل خاصة بعد أن رشحت الفنانة منه شلبى الفنان والمخرج أمير صلاح الدين ليقوم بدور البطولة أمامها مما جعل المخرجة تقوم بتغير ملامح الدورالمكتوب لتصبح فى النهاية شخصية البطل سمراء نوبية وقد أضفى ذلك لحبكة الفيلم نكهة جديده ومختلفة فى عالم السينما بكسر الفروق العنصرية التى تحول الحب دون أن يكتمل فلا فرق بين أبيض وأسود فبلغة القلوب الكل سواء.،
ومن خلالا الأدوات واللغة السينمائية صنعت المبدعة هاله خليل من ذلك السيناريو لوحة فنية جميلة ومعبرة عن صراع الشخصيات و ألالمها مع نفسها ومع الواقع الذى تعيش فيه وذلك من خلال ترتيب المشاهد واللقطات، فيفتتح الفيلم بلقطة تصور نوارة وهى تحمل جراكين المياة الثقيلة لتصل بها إلى المكان التى تسكن فيه حيث لايوجد هناك صنبور مياه فى بيتها ومن خلال الكاميرا التى أصبحت كالنافذة تتطلعنا على العشوائيات وقبح المكان فالبيوت متهالكة والشوارع متعرجة مشوهه خالية من أى مظهر من مظاهر الجمال والأدمية
ثم مشهد أخر بعد وصول على ونوارة لأحدى المستشفيات العامة للأطمئنان على صحة والد على الذى لا يجدوه فى العنبر فيبحثون عنه ليجدوه ملقى فى أحد دورات المياة لأنه لايوجد مكان لسرير فارغ ويعد هذا المشهد من المشاهد الهامة فى الفيلم فهو تصوير حى وحقيقى لما يوجد من أهمال فى تلك المستشفيات ورغم واقعية التصوير وبراعة كل من قام بإدائه حتى الكومبارس إلا أنه كان من أقسى المشاهد على نفسى ونفس المتلقى فقد جعله يرى حقيقة واقعة فى مرأة  صارخا   (نعم ..نحن هكذا....) فقد عكس هذا المشهد سوء الأحوال التى وصلنا اليها
  ويبرز التضاد والفرق الشاسع بين الطبقات عدة مشاهد من ضمنها مشهد وصول نوارة إلى الحى و الفيلا التى تعمل بها بعد أن تركب أربعة مواصلات من الحى الذى تسكن فيه للوصل إلى هناك وكأن المقصود من ذلك بعد المسافة بين الطبقتين فشتان الفرق بين المنطقة الكادحة التى تعيش فيها نوارة والمنطقة التى تعمل فيها كخادمة .فمنزل رائع أماكن ممتلئة بالأشجار مبانى بارعة التصميم والجمال  ومن خلال الكاميرا تتلتقط لنا جمال وهدوء الحى ورفاهية الفيلا التى تعمل بها 
مشهد وقوع نوارة فى أيدى رجال البوليس بعد أتهامها بسرقه مبلع عشرين الف جنية وترحيلها فى البوكس يدل على مدى الظلم الواقع على الفقراء وهروب الآثرياء حتى فى اللحظات الآخيرة
ثم المشهد النهائى على يجرى خلف سيارة الشرطة راكبا دراجته قائلا لنوارة مش هسيبك يانوارة وكأن المخرجة ترمز لنوارة بمصر والتى يجرى خلفها محاولا أنقاذها محبوبها (على) رمز لشباب مصر المخلصين والآوفياء
وعن أداء الممثلين : فجميعهم مبدعون وقد أجادوا أدوراهم ببراعة وطبيعية
منة شلبى: تتألق دائما فى كل ماتقدم فهنا ترتدى ثوبا أخر مختلف عن كل ماقدمت فيما قبل فتجسيد شخصية نوارة فتاة بسيطة تكافح تحاول بذل نفسها من أجل جدتها التى تريد أن تحج ومن أجل لقمة العيش التى تحتمى بها من الوقوع فى الخطاء وهذه الضحكة التى لاتفارق شفاها من بداية الفيلم
تتحمل ظلم وقهر اقارب من تعمل لديهم بدون أن تنطق ولاتحاول الدفاع عن نفسها فهذه الآستكانة والهدوء برعت منة فى أدائة حتى فى تون الصوت الهادئ الخافت المكسور
فكأنك تشاهد أحدى الفلاحات السذج اللتان يتعاملان بمنتهى البراءة وسلم النية لايدركون ماينتظرهم .
(على) من قام بتجسيد تلك الشخصية الفنان أمير صلاح الدين موهبه رائعة وله أعمال مسرحية تعد كالبصمه منها قهوه ساده
أمير صلاح الدين فى تجسيده لشخصية( على) كأنك تشاهد شخص تعرفه أو رايته يوما فى مكان فهو الشاب المصرى الذى يحاول دائما المطالبة بحقه البسيط فنجد صوته يعلو على الممرضة فى المستشفى طالبا بحقة فى وجود سرير أدمى لوالده الملقى على الآرض أدائه وتعبيراته التى تنم عن بؤسة احيانا من هذا الواقع فنجده يتجادل مع نوارة فى ظروفه الصعبة التى لا يوجد لها حل .
محمود حميده من قام بأداء دور الوزير الذى يرفض قبول واقعه وأن الثورة تهدد كيانه فهو على شفى حفرة وسيسقط حتما
فنجد صوته جهور ينم عن كبر وعظمة فهو لايسقط ابدا رأسة مرفوعه دائما لا يبالى ينزل الى حوض السباحة وكأنه فى مأمن من الخطر فلدية وقت للمتع واللهو
حتى تتطور شخصيته ويبدأ قبول واقعة ,انه اﻷن أصبح فى خطر بعد أن سجن بعض من أفراد النظام السابق فنجده يخضع لرغبة زوجته ويركب سيارته فى أنكسار ليسافر إلى الخارج و كان محمود حميده متكمن ومدرك جيدا لكل لحظة أنفعال تمر بها الشخصية فجاءت لذلك تعبيراته صادقة وعلامة مميزة فى الفيلم رغم صغر مساحة الدور
أما عن دور زوجة الوزير فقامت بأدائة الفنانة شيرين رضا هذه العيون اللمحة والذهن المتقد سريع التصرف محاولة تأمين بيتها والحفاظ على أسرتها من التشرد فهى تلح على النوارة البقاء فى المنزل حتى تحميه وتنفعل على زوجها لكى يدرك حجم الخطر الذى أصبحوا فيه الآن شخصية حاسمة وذكيه وكان أختيار شيرين رضا بمواصفاتها الجسدية وأدائها الطبيعى مناسب جدا للدور ومن الشخصيات التى فى اعتقادى من أهم شخصيات الفيلم الممرضة التى هى نموذج لكل شخص فاسد فى محل عمله وقام بأداء هذا الدور الفنانة شيماء سيف  ولعبت الشخصية بمنتهى الواقعيه فهى تتحرك وتنظر للمرضى  التى تشعر أنه سيأتى من ورائهم مصلحة  ولا تبالى بمن لا يدفع لها ولاتعيره أى أهتمام فهى توعد على أن هناك سرير سيصبح خاليا لوالده بعد قليل وسرعان ماتعطية لمن يدفع لها هذه الشخصة المستفزة التى تجعل كل من يشاهدها يثور ويغضب وكأنه يريد تحطيم رأسها فأجادت شيماء توصيل تلك اﻷنفعالات للمتلقى من أداء حركى وطريقة كلام ونبرة صوت
وعن الفضاء والزمن:  فيعتبر البطل الرئيسى لأحداث الفيلم فهناك منطقتين تتم تصوير اﻷحداث فيهم وكل منطقة تختلف أختلاف شديد عن اﻷخر فمنطقة فقيرة كادحة ومنطقة رائعة الجمال
وغرفة نوارة المتهالكة حتى أن نافذتها أيضا تعد كالمحل لتبيع فيه جدت نوارة بعض سندوتشات الفول والطعمية وهذه الغرفة ايضا  مكان تربى فيه بعض الكتاكيت الصغيرة والضعيفة كما  هم أيضا ضعفاء فى عالم موحش والمكان الآخر الفيلا التى تعمل بها نوارة فها البهو الشاسع والديكورات العملاقة والمساحه الشاسعة لكل غرفة من الغرف.
اما عن البناء الدرامى للفيلم:
فقد جاءت الأحداث مترابطة متسلسلة من بداية ووسط ونهاية  ولكن شعرت أحيانا فى منتصف الفيلم أننا ندور فى حلقة حول أنفسنا ولاجديد تذهب نوارة إلى الحى الشعبى ثم تعود الى الفيلا وهكذا عده مرات  حتى تبدأ الآحداث فى التصاعد لنهاية الفيلم.
اما عن الحوار فجاء مترابط متماسك لا وجود للثرثرة الفارغة فهناك تسلسل فى الافكار والحوار شيق فلا فرصة للملل.
عن الموسيقى والأغانى:
أفتقر الفيلم لذلك العنصر رغم اهميته الشديدة فلا وجود لموسيقى مميزة للفيلم فأحيانا تكون الموسيقى المميزة أحدى أبطال الفيلم والتى تعطى للفيلم مذاق مميز ولا تنسى على مر السنين فقد كان اﻷختيار الموسيقى ضعيف للغاية رغم اﻷهمية الشديدة لذلك العنصر .
وجهه النظر المقدمة فى الفيلم:
رغم ان المخرجة صرحت بأنها لاتقصد طرح وجه نظر سياسية فى الفيلم إلا أن الفيلم يدعو للأنتباه لظلم الفقير المهمش الذى حتى يفتقر لثقافة واسعة تجعله يحلل الآحداث فهو يصدق كل كلمة تقال له فكانت الأخبار تذيع دائما نبأ عوده الأموال المسروقة ، والأبتسامة تعلو على شفاه الفقراء ،وتفرح نوارة ولكنها فى النهاية قد ظلمت وتم وضعها فى السجن لأتهامها بسرقة عشرين الف جنيه كانت قد أهدتهم لها زوجة الوزير السابق .
فى النهاية نوارة قصة بسيطة تحدث أثناء الثورة وهى أول فيلم مصرى يجعل من الثورة خلفية للأحداث بهذه الجدية ومن خلال قصة شيقة ومعاناة حقيقية تؤرخ حال الفقراء وتسجل الوضع القائم فى البلاد أنذاك
والجدير بالذكر أن الفيلم  فاز بجائزة الوهر الذهبي كأفضل فيلم روائي طويل، وفازت الفنانة منة شلبي بجائزة أفضل ممثلة.
سوزان نادى

0 التعليقات:

إرسال تعليق