![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjLChyphenhyphenBq7gbHnFJe2qzjbvsMy4vHWzs2CGswsfbZYtu-D7T0w_lBuYNjxqA1NtGenj_Ayt0aswH7k_hu849tnBeRBOWIkT5jbcltX8QVx_VLwl1xMefaBpZns2wzKNopGwU9_3FNrirKgE/s400/49896760_2161864784143154_5858568015762685952_n.jpg)
ولابد على الناس مشاهدتها واظهار الأعجاب بها وإلا اصابنا الأحباط والخيبة والملل
وهذه الأشياء ليست سيئة فالأنسان مخلوق أجتماعى يحتاج إلى الأخرين ودعمهم ومساندتهم وتشجيعهم
ولكن الشئ السئ أننا نستغرق وقتا كثيرا للغاية ولا ندرى ان كل هذا الوقت يقطتع من أعمارنا خلف شاشة وهمية فتضيع حياتنا فى اللاشئ
كتب أحسان عبد القدوس قصة ذات يوم تسمى حياة الناس يحكى فيها عن شاب قبل إن يصل إلى سن الثلاثين كانت حياته عادية للغاية فقد حصل على دبلوم التجارة وعين فى وظيفة حكومية وكان يسكن فى شقة صغيرة بالدور الأعلى فى عمارة كبيرة تقع بميدان المحطة وكان فى حاله دائما لا يشعر بإحد ولا أحد يشعر به وكان يفكر جديا فى الزواج إلى إن حدث شئ قلب حياته رأسا على عقب
ففى يوم جاءه إحدى زملائه فى العمل ويحمل فى يده نظارة معظمة كبيرة جدا
وما لبث إن جربها هذا الشاب فشعر بسعاده عارمة وشعر إنه سوف يصبح إسعد إنسان إذا أمتلك هذه النظارة وكانت له
فبدأ زميلة يشرح له كيف تعمل ثم ثبتها أمام الشباك وضبط عدستها ونظر فيها ثم صاح
تعالى شوف الست اللى بتطبخ دى!
فوضع الشاب عينه على النظارة وقال لزميله
دى فين الست دى!
وأشار إلى عمارة بعيده فى شارع الساحة وقال فى العمارة اللى هناك دى.
ويقول الشاب ازدادت دهشتى إننا ننظر إليها من نافذه الوزارة فى ميدان لاظوغلى اى إن بيننا وبينها اكثر من اربع محطات ترام ورغم ذلك فإننى إكاد إلمسها بيدى.
وزاد ولعه بهذه النظارة وصمم على إمتلكها بإى طريقة
وأقنع زميله بإن يشتريها منه وبالفعل عاد بهذه النظارة إلى البيت وكأنه يحمل كل حياته وثبتها على صور شرفته وضبط عدستها وبدأت رحلته فى تتبع الشرفات والحجرات والبيوت وحياة الأشخاص المقيمون فيها
فقد رأى فى النظارة سيده شابة وبجانبها رجل يتناول العشاء فى بيتها لعل الرجل زوجها
ومرة أخرى رأى رجل عجوز يبدو انه يوناني يتناول عشاء مكون من زيتون ومرتدلا وبجانبه زوجته عجوز مثله إلا انها لا تأكل ولكنها تتكلم كثيرا جدا
وظل الشاب على هذا الحال حتى أنطفئت انوار الحى كله ودخل إلى غرفته لينام وهو يحاول إستعاده مناظر الناس الذين رأيهم وعندما جاءت الساعة السابعة فتح عينيه ملهوفا وجرى على الشرفة ليستكمل النظر إلى حياة الناس
فكيف يتثائبون ويغسلون وجوههم، بعضهم مكشر وبعضهم مبتسم
ثم عاد وارتدى ثيابه سريعا وذهب إلى الوزاره ولكنه لم يقبل على التحدث مع زملائه انما ظل سارحا فى حياة الناس التى رأها من خلال النظارة ولم يؤدى عملا واحدا وبقى يتعجل ساعة الآنصراف ثم انطلق كالمجنون عائدا إلى نظارته.
واستمر بهذه الطريقة كل يوم وحياته كلها محصورة فى هذه العدسة الضيقة التى يطل منها على حياة الناس الخاصة فيقول قد عرفت هؤلاء الناس كما لم يعرفهم أحد وكنت التقى بهم فى الطريق فأهم إن أصافحهم وأحس أنهم قطعة من حياتى ومرت الأيام ولم يعد لى شئ سوى النظارة
لا أصدقاء ولاأقارب ولا إحساس ولا مزاج لا شئ الا هذه النظارة.
ثم مرض ولم يستطع إن يقوم من فراشه ليطل من النظارة وتعذب كثيرا فى وحدته وعندما شفى أكتشف شيئا كان قد نسيه فقد نسى انه لم يتزوج وأكتشف شيئا اخر انه اصبح فى الخمسة والخمسين من عمره
واكتشف انه اصبح من الموظفين المنسيين فلم ينل ترقيه ولا علاوة منذ أكثر من عشرين عاما
فلقد نسى نفسه نسى حياته الخاصة وهو يتتبع حياة الناس والسبب هو النظارة
وأنتابته ثورة على النظارة وشعر انه لابد أن يتخلص منها ويحطمها وقام من فراشه واندفع إلى الشرفة ليمسك النظارة ليحطمها ولكن قبل ان ينتزعها من مكانها وضع عينيه على العدسة الصغيرة ولم يرفعها
وانتهت هذه القصة الرائعة للمبدع احسان عبد القدوس وهو لم يعرف ان حياة هذا الشاب فى قصته
لم تفرق كثيرا عن حياتنا جميعا الآن وان اختلفت ظروف حياتنا إلا اننا جميعا سجناء خلف شاشة صغيرة لم نقدر على التحرر منها والتواصل الحقيقى بعضنا نحو بعض فكلنا فى النهاية منعزل وحيد يراقب حياة الأخر فى صمت.
سوزان نادى
0 التعليقات:
إرسال تعليق