هكذا الشر دائمًا في دوائره وصرعاته، كحلقة مفرغة يدور فيها الإنسان دون منقذ ربما، إلا إذا تحلى بالصدق والحق في وجه الظلم. ولكن هذا ليس بالسهولة واليسر، فطالما هناك ضحايا يقفون أمام هذا الشر، لعلنا ننتصر بالخير في نهاية المطاف، فالخير ينتصر ولو بعد حين. وهذا ما نراه جليًا في فيلم "الباب الأخضر"، قصة الكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة، الذي يحكي فيها عن فتاة مسكينة وقعت في حب شاب غريب قد جاء للاختباء في القرية التي تقطن بها، من بطش السلطات لما ينادي به من مثل وأخلاق ومبادئ. وتحت وطأة الحيرة والوحدة والفراغ، يفعل معها الخطيئة، ليتركها وبين أحشائها ابنه جزء منه
ويبدأ الفيلم بتأوهات البطلة سهر الصايغ وهي تضع مولدها، ويصرخ أخيها على باب الحجرة بأنه يريد قتلها، فهي مخطئة زانية. ولكنها تعلن بثقة أنها زوجة لرجل أحبته، وسوف تذهب بعد يومين إلى القاهرة لتحضر منه قسيمة الزواج وشهادة الميلاد. وبالفعل تذهب إلى الباب الأخضر في حي الحسين، تنتظر أمامه حتى يحضر إليها شيخ قد أتى معها من البلد. ولكن سرعان ما تتصاعد الأحداث وتتشابك، بعد أن حاول أحدهم خطف الرضيع الصغير، فتحضر الشرطة، وتذهب سهير الصايغ معهم إلى القسم، ويتهموها بالجنون، ويأخذون الطفل منها إلى دار الرعاية.
وقد اتهمت بالجنون لأنها بحوزتها صورة لزوجها أبو الولد، وهذه الصورة يتضح لنا من خلال الأحداث أنها صورة لرجل مهم ذو مركز مرموق الآن، فلا أحد استطاع تصديقها، سوى واحد فقط، وهو الطبيب النفسي المعالج لها، والذي يلعب دوره أياد نصار، فهو بمثابة الحامي الشجاع الذي يحميها من بطش ظلم هذا الشخص، الذي يتنصل من ابنه وزوجته، ويغير مبادئه ليظفر برئاسة تحرير أحد المجلات.
ويمثل هذا الطبيب النفسي أيضا حاميًا للبسطاء والفلاحين الذين يتواجدون في المستشفى، حيث يحميهم من تجارب الأدوية غير المجربة. ومن هنا تتصاعد الصراعات وتتشابك الأحداث بين الخير وبطش الشر ومقاومته. يتصاعد الفيلم ببناء درامي محكم ويتكشف لنا الأحداث بطريقة ممتعة وشيقة عن طريق استخدام تقنية الفلاش باك. يبدو وكأن المشاهد يحاول فك عقدة عقدة حتى نهاية الفيلم، الذي ينتهي كما بدأ، أمام الباب الأخضر، ويظل العالم الموحش يتطلب من البطلة أثبات هاويه أبنها كي يستطيع العيش فيه.
ومع ذلك، فإن النهاية، بالنسبة لي، مأساوية ومحبطة، حيث يموت الحامي المنقذ، الذي يمثله إياد نصار، في مواجهة الظلم، ولا يزال الشر مستمرًا وكأن المخرج يريد التأكيد على أن الشر سيستمر والإنسان سيقاوم حتى اللحظة الأخيرة.
تدور أحداث الفيلم في فترة التسعينات ويشير الفيلم إلى القوة الحاكمة والباطشة المسيطرة حينها، حيث يتم تنفيذ الأوامر من فوق والكل صاغر خائفا لها ولا يمكن لأي شخص التحدث حتى لو رغب في ذلك، لأنه يعلم تمامًا أن نهايته ستكون الموت، وقد قال ذلك الأبطال مثل خالد الصاوي.
بالنسبة للأداء التمثيلي، فقد اجتازت سهر الصايغ دورها بحنكة ومهارة، وتمكنت من إيصال التعاطف لدى الجمهور، وذلك بواسطة تعبيراتها الجسدية فالعين المعبرة والصراخ والدموع في مشهد خطف الابن. كما أن أداء إياد نصار كطبيب نفسي يعبر بصدق شديد بتعبيرات متجهمة حزينة وغاضبة وحانقة على الأوضاع، ويتمنى أن يصلح كل الأمور التي حوله، كما لو أنه يفعل ذلك لنفسه أيضًا.
وأداء محمود عبد المغني في دور الشاب ذو المبادئ الذي وقع في حب سهر الصايغ ولكنه تنصل من مبادئه وحبه تحت وطأة الخوف والبطش، كان بارعًا ومتلونًا، حيث يتعرض المشاهد للحيرة فيما إذا كان يجب عليهم التعاطف معه أم أن يتم معاقبته على فعلته
ربما هناك دلالات رمزية تشير إليها شخصيات الفيلم
كعادة الكاتب أسامة أنور عكاشة
ربما ترمز سهر الصايغ إلي مصر وحالها في هذه الأونة وما كانت عليها من ظلم وقهر وسلب أبسط حقوقها
وأياد نصار يرمز إلي القوة الثائرة التي تريد سحق الظلم حتي لو كانت نهايتها الحتميه هي الموت
محمود عبد المغني وخالد الصاوي ربما يشيروا إلي الطرف الخامل الجبان الذي يعرف الحقيقة جيدا ولكنه لايستطع قول الحق خوفا من الموت وأنتزاع السلطة والقوة منهم.
الفيلم من أخراج المخرج رؤوف عبد العزيز مخرجًا متمكنًا جيدًا من أدواته، حيث يستطيع التحكم في إيقاع الأحداث وأداء الممثلين بشكل يجعله يمتلك ذهن المتلقي بشكل جيد. والجدير بالذكر أنه قد أخرج العديد من الأعمال الدرامية، أهمها مسلسل نصيبي وقسمتك.
في النهاية، يعتبر فيلم الباب الأخضر من أمتع وأصدق الأفلام التي شاهدتها بكل عناصره وجوانبه الفنية، حيث يتميز بأداء تمثيلي رائع لجميع الممثلين وإخراج متقن
وبناء درامي محكم
سوزان نادي
0 التعليقات:
إرسال تعليق